ما هو فن الفسيفساء (Mosaic)؟

تعد الفسيفساء من الفنون العريقة التي وُجدت منذ القدم، وتقوم على آلية الزخرفة بواسطة قطع صغيرة جدًا ومرصوصة مع بعضها لتشكل لوحة متناسقة ومتناغمة، ويمكن أن يستخدم الفنانون في الفسيفساء عدة مواد منها الحجر والمعادن والزجاج وغيرها، وهذه القطع الصغيرة التي تشكل لوحات الفسيفساء هي قطع عشوائية لا تشكل لوحدها أي قيمة وقد لا تحتوي على أبعاد متناسقة، ولكن تشكيلها مع بعضها بالشكل الصحيح سينتج عنه عملًا فنيًا، ويُذكر أن فن الفسيفساء لعب دورًا كبيرًا في الفن الغربي، ومع أنه وجدَ في كل مكان حول العالم،[١] وعوضًا عن طلاء سطح ما بالألوان؛ اختار الفنانون ترتيب مئات الآلاف من الأحجار والقطع الصغيرة لتشكيل لوحة صغيرة، وهذا الأسلوب هو الذي يميز فن الفسيفساء.[٢]


تاريخ فن الفسيفساء وتطوّره


نشأة الفسيفساء وتطوره عند اليونانيين

يعود التاريخ القديم لفن الفسيفساء إلى آلاف السنين، واكتُشفَ أول عمل من الفسيفساء في بلاد الرافدين، إذ عثر على قطع بلاط صغيرة في معبد في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ولكن كانت هذه الأعمال عشوائية نوعًا ما، ولم تبدأ الفسيفساء بتصوير مشاهد وأنماط ورموز واقعية إلا في أيام اليونانيين والرومان القدماء.[٣] وفي القرن الثامن قبل الميلاد أُنشأ أول عمل فني من الفسيفساء المصنوع من الحصى، واستخدمَ اليونانيون الحصى في تمثيل الأرصفة والجدران في اللوحات في القرن الخامس، وفي القرن الرابع أضاف اليونانيون الأحجار الملونة إلى أعمالهم الأمر الذي ساعدهم على إنتاج أنماط هندسية معقدة وأشخاص وحيوانات.[٤]


الفسيفساء في العصور الكلاسيكية القديمة والعصر الهلنستي

في هذه الفترة الزمنية استُخدم الفسيفساء لتزيين الأرصفة والأرضيات، وكان هدف الفنانين حينها الجودة والمتانة، واستخدموا حينها الحجر الجيري والرخام، أما في العصر الهلنستي فقد تطوّر الفسيفساء أكثر وبدأ الفنانون باستخدام الزجاج وبالتالي اتسع نطاق الألوان المتاحة، وفي القرن الثالث قبل الميلاد أُنشأت مصانع صغيرة لتصنيع الفسيفساء، وحدثت نقلة نوعية في هذا الفن وأصبح أكثر دقة ليصل إلى مرتبة تقليد اللوحات وإظهار تفاصيلها الدقيقة.[٤]


الفسيفساء الرومانية

استخدم الرومان الفسيفساء لتزيين الأرضيات، ولكنهم طوّروا استخدامهم لها ليرسموا الموضوعات المحلية التي تعنيهم بالإضافة إلى النماذج الهندسية، ولكنها لم تصل إلى مستوى عالٍ من الحرفية، وكانت الأعمال المصنوعة في شمال بلاد الغال أو بريطانيا الرومانية بدائية نوعًا ما بالمقارنة مع الأعمال التي صُنعت في إيطاليا واليونان، وخلال عصر الفن المسيحي المبكر في الإمبراطورية البيزنطية حلت الفسيفساء محل اللوحات الدينية، وبتلك الفترة أنتجَ الفنانون أول فسيفساء زجاجية من الذهب والفضة، باستخدام رقائق معدنية على ظهور القطع الزجاجية.[٤]


الفسيفساء البيزنطية

في الفترة البيزنطية تطور فن الفسيفساء كثيرًا وارتقى لمستوى الإبداع والإتقان، وأصبحَ هذا الفن سمة من سمات العمارة البيزنطية، وصُنعت أغلبها من الزجاج السميك الفاخر، وفي القرن السادس طور علماء الفسيفساء البيزنطيون طريقة جديدة لوضع الفسيفساء الزجاجية في زاوية حادة لعكس أكبر قدر ممكن من الضوء، وصُنعت أرقى الأعمال الفنية من الفسيفساء لصالح الكنائس والمساجد البيزنطية.[٤]


الفسيفساء الإسلامية

دمج المسلمون الفسيفساء في المخططات الزخرفية للمساجد، وأصبح هذا الفن شكلًا مثاليًا من أشكال الزخرفة للفن الإسلامي، ولأن تصوير الصور ممنوع في الدين الإسلامي اعتمد فن الفسيفساء على تصوير التصاميم التجريدية أو الهندسية، ومن ثم انتقل فن الفسيفساء إلى إسبانيا، ويمكن رؤية أعظم هذه الأعمال في المسجد الكبير في قرطبة وقصر الحمراء في غرناطة.[٤]


الفسيفساء في العصر الحديث

بعد أن ظهر فن عصر النهضة تراجعت أهمية فن الفسيفساء، ولكنه عاد مجددًا في في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.[٤] والآن ما زال فن الفسيفساء من الفنون العريقة والموجودة، ويصنعها غالبًا الحرفيون، وهي موجودة بكثيرة في فنون الجدارن والطاولات والحدائق وبكل مكان.[٥]


المواد المستخدمة في فن الفسيفساء

كان الفنانون في العصور القديمة يصنعون الفسيفساء من الحصى، وتكون القطع المستخدمة فيها متفاوتة من ناحية الحجم، وكانت لوحات الفسيفساء التي تعود إلى العصور القديمة والمصنوعة من قطع زجاجية أو شظايا الحجر من أجود وأفضل لوحات الفسيفساء، ومع هذا يستخدم الفنانون مواد مختلفة في فن الفسيفساء، وفيما يلي المواد الأساسية:[٦]


الحجر

كان الحجر المادة المهيمنة على فن الفسيفساء لفترة طويلة وخاصةً في العصور القديمة، واستطاع الفنانون حينها الاستفادة من ألوان الأحجار المتفاوتة لتشكيل لوحاتهم، واستمر استخدام الحجر في العصور اليونانية والرومانية، أما في العصور البيزنطية فقد كانت الأيدي والأقدام والوجوه التي في اللوحات تزيّن باستخدام الأحجار، واستخدموا قطع من الرخام لتوضيح نمط الملبوسات المصنوعة من الصوف، واستُخدم الحجر أيضًا لتفاصيل خلفيات اللوحة من المباني والصخور، واستُخدمَ في فن الفسيفساء أيضًا الحجر الجيري والبازلت الأسود، وما زال الحجر الطبيعي من المواد الأساسية لتشكيل الفسيفساء إلى اليوم.


الزجاج

بدأ استخدام الزجاج لأول مرة في الفسيفساء بالفترة الهلنستية أي بين القرنين الثالث والأول قبل الميلاد، وما ميّز الزجاج في هذا الفن هو إمكانياته اللونية غير المحدودة، ولكن استخدام الزجاج كان محدودًا بسبب هشاشته، أما في الأرضيات فقد استُخدمَ الزجاج لتمثيل درجات اللون الأحمر والأخضر والأزرق، أما للدرجات اللونية الأفتح فاستُخدمَ الحجر، ولكن بمرور الوقت تطور الزجاج أكثر وأُنتجَ منه صبغيات ذات كثافة غير مسبوقة دخلت بشكل موسّع في تشكيل اللوحات.


المعادن

في الفترة المسيحية المبكرة ابتكر الفنانون أساليب جديدة في الفسيفساء الزجاجية وأدخلوا الذهب والفضة على شكل رقائق تُطبع على الزجاج أو تغلفه، أما الرومان فقد استخدموا الفسيفساء الذهبية للمرة الأولى في زخرفة الأرضيات والأقبية، ومن ثم تطور استخدام الذهب والفضة واستُخدمَا في تصوير الملابس، واستُخدمَ الذهب أيضًا لتصوير الضوء المنبعث، أما في القرن الرابع الميلادي فاستُخدمَ الذهب في الخلفيات وخاصة في الفن الروماني، في حين استخدم الشرق المسيحي الفضة لتصوير الضوء الرمزي المنبعث من المسيح.


مواد أخرى

استخدمَ بعض الفنانين الأحجار الكريمة في الفسيفساء مثل اللؤلؤ، واستخدم آخرون الرخام الخشن على شكل قطع صغيرة مستديرة لتصوير اللؤلؤ، وكان العثور على الفسيفساء الفريدة في الثقافة الهندية السبب في انتقال فن الفسيفساء إلى مكانة المجوهرات في الفن الغربي، وذلك بسبب استخدامهم لأحجار الفيروز والعقيق، ومن المواد الأخرى التي استُخدمت في فن الفسيفساء هو السيراميك.


كيفية بناء الفسيفساء

لبناء الفسيفساء عمومًا يجب تجهيز السطح أولًا كما هو الحال بالنسبة لجميع الفنون الخزفية، وتجهيز السطح يعني إضافة مواد لاصقة، ومن ثم إلصاق القطع عليها على اختلاف أنواعها،[٢] ولكن توجد طريقتين أساسيتين لبناء الفسيفساء وهما الطريقة المباشرة والطريقة غير المباشرة، وفيما يلي توضيح لهما:[٧]


الطريقة المباشرة لبناء الفسيفساء

تعتمد هذه الطريقة على وضع مادة لاصقة مباشرةً على السطح المُراد تزيينه بالفسيفساء، وهذه الطريقة مناسبة للأسطح ثلاثية الأبعاد مثل المزهريات، وتناسب الأعمال الصغيرة القابلة للنقل، واستُخدمَت هذه الطريقة قديمًا لتزيين الجدران والأسقف في أوروبا، ولكن من عيب هذه الطريقة أن الفنان يجب أن يعمل مباشرةً على السطح الذي يريد تزيينه الأمر الذي سيأخذ منه وقتًا أطول.


وفي الآونة الأخيرة استحدث الفنانون طريقة حديثة للطريقة المباشرة لتفادي عيبها، وهو أن يتم تزيين شبكة من الألياف الزجاجية، وعند الانتهاء يُنقل إلى السطح النهائي، وبهذه الطريقة يمكن للفنان أن يعمل أينما كان ولن يضطر للعمل على السطح الأصلي طوال الوقت، وهذه الطريقة تسمح بنقل الأعمال الفنية من خلال تقطيعها وإعادة تجميعها في الموقع.


الطريقة غير المباشرة لبناء الفسيفساء

تُستخدم هذه الطريقة لتطبيق القطع الصغيرة على مساحات ومشاريع كبيرة، أو على الأعمال الفنية ذات العناصر المتكررة، وبهذه الطريقة يضع الفنان وجه قطع الحجر أو المادة التي يصنع منها الفسيفساء إلى الأسفل على ورق تغليف باستخدام مادة لاصقة غير قوية، وبعد ذلك يُنقل المشروع إلى مكان العمل الفني سواء كان جدران أو أرضيات أو غيرها، ومن ثم يتم إلصاق الأحجار على السطح الأساسي للعمل الفني، وهذه الطريقة مفيدة للمشاريع الكبيرة، وتعطي الفنان وقتًا أطول لإنجاز العمل، وهذه الطريقة مفيدة لأنها تُنتج عمل فني بسطح أكثر سلاسة وتساويًا.

المراجع

  1. "mosaic", britannica, Retrieved 25/10/2021. Edited.
  2. ^ أ ب "What is Mosaic Art? - History & Design", study, Retrieved 25/10/2021. Edited.
  3. "What Is a Mosaic?", thesprucecrafts, Retrieved 25/10/2021. Edited.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح "Mosaic Art", visual-arts-cork, Retrieved 25/10/2021. Edited.
  5. "What Is a Mosaic?", thesprucecrafts, Retrieved 25/10/2021. Edited.
  6. "mosaic", britannica, Retrieved 25/10/2021. Edited.
  7. "What is Mosaic Art?", taracasa, Retrieved 25/10/2021. Edited.