مفهوم تجريد الوحدة الزخرفية النباتية

التّجريد الزخرفيّ أو التّحوير الزخرفيّ، هو أن يُوظِّفَ الفنَّانُ عناصرَ الطّبيعة في التّكوين الزخرفيّ معَ إجراء بعضِ التّعديلات عليها، ويأتي على شكلين الأوّل: أن يُحافِظ على الهيكل الخارجيّ للعُنصرِ الأصليّ بإجراء تعديلات بسيطة مثل: تغييب تفاصيل العنصر الأصليّ ليظهرَ أخيرًا على شكلِ خطوط ملتفّة أو منحنية، أو إضافة خطوط وأشكال بسيطة إلى العنصر الأصليّ للحصول على شكلٍ مبتَكَر، والثّاني: أن يُغيِّر شكلَ العنصر الزخرفيّ الأصليّ بعدَ أن يستوحيَ منه صفاتِه.[١]


بدأ تطبيقُ الزّخارف التجريديّة النباتيّة في القرنِ التّاسع الميلاديّ إبَّانَ العصر العباسيّ، تحديدًا في مدينة سامرّاء العراقيّة، وبلغَ ذروتَه في القرنِ الثالثِ عشر الميلاديّ إبَّانَ العصر المملوكيّ، فقد استخدمَ الفنّان الزّخارف النباتيّة بادئَ الأمر بشكلِها المجرّد الطبيعيّ، ثمّ لجأ إلى تحويرها وابتكار أشكال جديدة مُغايرة.[٢]


خصائص الوحدة الزخرفية النباتية المجردة

يتّسم التجريد الزخرفيّ النباتي بالخصائص الآتية:

  • التنوّع: ذلك عائدٌ إلى تنوُّعِ العناصر الطبيعيّة عامّة، وتنوّع أنماط العنصر الواحد خاصّة؛ إذ إنّنا نجدُ للعنصرِ الواحد أشكالًا وألوانًا وأحجامًا وأنواعًا مختلفة.
  • الحيويّة والنموّ: يَمنحُ اختلافُ العناصرِ الطبيعيّة في مسافاتها وأبعادِها وارتفاعاتِها ونِسَبِها واتّساعاتِِها طابعًا حيويًّا، ذلك ما يُفسِّر الإحساس بنموِّها داخل التّصميم الزخرفيّ، وتحقيقها إيقاعًا لانهائيًّا من التّناغم والانسجام.
  • التّكرار اللانهائيّ: إنّ تعاقُبَ العناصر الطبيعيّة وتجاورها وتنظيمها جنبًا إلى جنب أو تعاكسُها وتقابلها وتناظُرها يَعكِسُ طاقةً حركيَّةً لانهائيّة، وتفرضُ تأكيدًا على ضرورة تأمُّل الشّكل في مسارِها وانحنائه وترتيبه داخل التّكوين.


الهدف من التجريد الزخرفي النباتي

وظَّف الفنَّانون خاصيَّة التّجريد للتَّعبير عن الأسرارِ الكامنة في مفردات الطّبيعة، فالطَّبيعةٌ غايةٌ إذًا بذاتِها، لها وظيفةٌ فنيَّة تطبيقيّة، كأن يُوحي تكرارُ الوحداتِ في التكوين الزخرفيّ النباتيّ في انتظامِها وتوالدِها وتناثُرها وتعاكسها وتبادُلها إلى أنّ أشكالَ الطّبيعة جزءٌ أصيلٌ من النظام الكونيّ العامّ القائم على التّناغم والاتِّزان في النَّسق والحركة والإيقاع واللون.[٣]


كذلك لم يقصِد الفنّان أن يُحاكي الطّبيعة، إنّما أن يبتكرَ منها فنًّا تجريديًّا مستمَدًّا منها؛ بِأن يُحوِّلَ عناصرَها إلى نُظُمٍ هندسيّة ذات بناءٍ منطقيّ قائم على التّكرار والتّماثل والانبثاق، ويُشكِّلها على هيئةِ مصفوفاتٍ ممتدّة تجمعُها علاقاتٌ ثنائيّة الأبعاد داخلَ نسقٍ نامٍ غير مغلَق، يحكمُها نظامٌ رياضيّ مدروسٌ.[٣]


إلى جانبِ ذلك، يكشفُ الفنَّان من خلالِ التّجريد عن قوّة أدواتِه وثرائِه الإبداعيّ الذي يتجلَّى في أنماط التّحوير التي يُقدِّمها للعنصر الطبيعيّ الواحد، وكيف يُنشئ بناءً زخرفيًّا متوافقًا في الحركةِ والمَسار.[٣]


أمثلة على التجريد الزخرفي النباتي

من شواهدِ التجريد النباتيّ ما يأتي:

  • الطّبق الخزفيّ الموجود في متحف بيناكي في اليونان، ذو التّصميم التّجريديّ المركزيّ.[٤]
  • زخارف مدرسة العطّارين الواقعة في مدينة فاس في المغرب، التي تُمثّل تجسيدًا لامرئيًّا للطّبيعة.[٥]
  • زخارف جدران مسجد أولو جامع في تركيّا، ذو التّصميم التّجريديّ المركزيّ المضفّر.[٦]
  • زخارف جدران مسجد هارون ولاياتي في إيران، ذو التّصميم المورّق والمزهّر الملوّن بالأزرق والتّركوازيّ والسّماويّ.[٧]

المراجع

  1. رحاب رجب حسان، تحوير الزخرفة النباتية&hl=ar&sa=X&ved=2ahUKEwi-2quuyeL8AhWrQvEDHfKcDdgQ6AF6BAgHEAI#v=onepage&q=أنواع تحوير الزخرفة النباتية&f=false فن تصميم الأزياء: دراسات علمية ورؤى فنية، صفحة 123. بتصرّف.
  2. مؤلفون متخصصون، التربية الفنية، صفحة 38. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت أنصار محمد رفاعي، التجريد النباتي&hl=ar&sa=X&ved=2ahUKEwjX4NfWx-L8AhVBR_EDHWlkCAcQ6AF6BAgHEAI#v=onepage&q=أنواع التجريد النباتي&f=false الأصول الجمالية والفلسفية للفن الإسلامي، صفحة 173. بتصرّف.
  4. أنصار محمد رفاعي، التجريد النباتي&hl=ar&sa=X&ved=2ahUKEwjX4NfWx-L8AhVBR_EDHWlkCAcQ6AF6BAgHEAI#v=onepage&q=أنواع التجريد النباتي&f=false الأصول الجمالية والفلسفية للفن الإسلامي، صفحة 170. بتصرّف.
  5. أنصار محمد رفاعي، التجريد النباتي&hl=ar&sa=X&ved=2ahUKEwjX4NfWx-L8AhVBR_EDHWlkCAcQ6AF6BAgHEAI#v=onepage&q=أنواع التجريد النباتي&f=false الأصول الجمالية والفلسفية للفن الإسلامي، صفحة 174. بتصرّف.
  6. أنصار محمد رفاعي، التجريد النباتي&hl=ar&sa=X&ved=2ahUKEwjX4NfWx-L8AhVBR_EDHWlkCAcQ6AF6BAgHEAI#v=onepage&q=أنواع التجريد النباتي&f=false الأصول الجمالية والفلسفية للفن الإسلامي، صفحة 175. بتصرّف.
  7. أنصار محمد رفاعي، التجريد النباتي&hl=ar&sa=X&ved=2ahUKEwjX4NfWx-L8AhVBR_EDHWlkCAcQ6AF6BAgHEAI#v=onepage&q=أنواع التجريد النباتي&f=false الأصول الجمالية والفلسفية للفن الإسلامي، صفحة 182. بتصرّف.